هناك فتاة أحب أن أقنع نفسي أنني أعرفها حق المعرفة، أعرفها بما يكفي لأكسب حقّ الكتابة عنها. فتاة كانت وما زالت وستكون قدوتي إلى مماتي بعد عمرٍ طويل زاخر بكل الخيرات بإذن الله. هي طفلة عندما تريد، وفتاة ناضجة إذا الحياة أرادت! مليئة بكل المشاعر التي تلوّن حياتها بألوانٍ لا متناهية، ألوانًا لا تفقه حتى مسمياتها، ولذا يظهر ذلك في جهلها لوصف بعض مشاعرها.
على الرغم من وجهها الهادئ وعيناها الدافئتان، تكاد تنفجر من شدة هيجان الأمواج داخلها. لا تحب أن تتقيد بأي قيدٍ يمنحها مسارًا واحدًا في هذه الحياة الجميلة بكل تفاصيلها ومساراتها! تحب أن تخوض وتجرّب متى ما أُتيحت لها الفرصة، ان فرضت عليها الحياة مسارًا ما، تتقبله بصدرٍ رحب فتركض تارةً تحاول الهروب، وكثيرًا ما تتأنى لتحمل عبق الأزهار داخلها بينما تركز نظرها بالسماء وألوانها الممزوجة بدقة عند الشروق والغروب.
تحب أن تختار مسارات حياتها بنفسها وتحب التجربة وتؤمن أنها خير برهان، اذا وضعت صورة مستقبلها نصب عينيها لا يمكن لشيء أبدًا أن يحول بينها وبينه، ولكن عندما تجبرها الحياة على مسارٍ لم تتوقعه، كما أردفت مسبقًا تستمتع بالسير به لأنه جزء من الحياة، وطبيعتها الفضولية تملؤها امتنانًا لكل مسارٍ مجهول يُفرض عليها. لم تظن قط أن حياتها انتهت ولم تعتقد البتة أنها يجب أن ترضخ! ولكنها في باطن الأمر مستسلمة تمامًا لخيارات الله لها، لأنها تعلم أن هناك من يقدّر الأمور على أكمل وجه بدون علمها.
تحارب وتحارب إلى آخر رمق، فعندما تشعر أخيرًا بأنها أدّت على أكمل وجه تنسحب بهدوء وكأنها بطلُ حربٍ مجهول الهوية! تحب التعلم لأجل التعلم، ولم تفكر يومًا بأي مرحلة في حياتها على أنها مرحلة انتقالية، لأنها تعيش كل مرحلة وكأنها أزلية، وربما لذلك يصعُب عليها التخطيط لكل فترة من حياتها على أنها فترة منفصلة، فلا تستيقظ من أي مرحلة إلا عندما تنتهي فيتوجب عليها عندها أن تتخذ قرارًا ما.
أفكارها ومشاعرها هم الأهم بالنسبة إليها، لا تسمح لأيّ كان أن يقلل من قيمة أفكارها أو أن يؤذي مشاعرها! تعلم دائمًا أنها لا تعلم ولهذا هي نهمة وبشدة للتعلم، لأنها واثقة أنها مهما قرأت ودرست وبحثت تظل جاهلة، وهذا الشعور يعطيها نشوة غريبة تجعلها تخوض الحياة بقلب طفلٍ وُلد للتو وما زال هناك الكثير بالنسبة إليه ليكتشفه!
تساءلَت كثيرًا ما إن كانت قادرة على أن تغضب؟ لأنها وبساطة لم تشهد يومًا نوبة غضبٍ أو حقدٍ أو كره، تُستفز نعم ولكن لا مجال للغضب في قلبها. وبينما تتفجر أنواع المشاعر بداخلها لا تحمل في قلبها أي مشاعر سيئة لأيٍّ يكن لفترة طويلة، نادرة الغضب سريعة الرضا.
تُنصت إليك وكأنها شخص أصم وُهب للتو القدرة على السمع! تنصت بكل جوارحها، فتجدها مرآة تعكس كل شعورٍ يراودك أثناء الحديث. قليلة الحديث هي وقليلة التعبير إلا مع شخصها المفضل، تحب أن تحكي للأوراق أكثر من البشر، فتعاود قراءة دفاترها التي تحكي قصصها فتندهش من جمال تطور شخصيتها للأفضل والأفضل في كل مرة ومدى قدرتها على التحكم في مشاعرها مع مرور الوقت.
تحب التطوير من ذاتها وعلاقاتها، ولهذا في كل فترةٍ من حياتها أشخاص يدخلون وأُخَر يغادرون، لأنه وببساطة من الصعب مواكبة سرعة وتيرتها. على كلٍّ، دائرتها المقربة التي تلقبّها ب “دائرة الأمان” تحوي عدد قليل جدًا من الأفراد الذين يرونها على حقيقتها، والبقية يشهدون نفس الشخصية اللطيفة التي تُظهرها عنوة لهم.
تجيد التعبير عن ذاتها ولكنه يصعب عليها التعبير بالحديث، فتجد أنه من السهل أن تعبّر عن دواخلها بالكتابة أو بالرسم أو في العثور على ذاتها بين سطور الكتب المختلفة، لأنه في نهاية المطاف بالنسبة إليها جميعنا بشر ونمر بذات التجربة فلابد أن يتشابه الشعور وتتشابه الأفكار بطريقة أو بأخرى أحيانًا.
ذكية عاطفيًا، فتجيد ملاحظة غيرها ويثير اهتمامها طرق التفكير المختلفة والشخصيات المتعددة والأذواق اللامتناهية في مختلف الأمور، وهذه نقطة قوتها الأكبر! شديدة الرقة وشديدة الحذر عند التعامل مع مشاعر الآخرين لأنها تعلم مدى أهمية تقدير المشاعر واحترامها، و أضف على هذا أنها ذات روحٍ شديدة التعاطف كإسفنجة تمتص طاقة الجميع، وهذا يرهقها في معظم الأحيان ولكنها ما زالت تتعلم كيف يمكن أن تتعاطف بدون أن تمتص مشاعرهم بهذا العمق. كل مخلوقات الله تستحق الحب بالنسبة إليها، فتعاطفها ذاته ينطبق على الحيوانات، ربما لأنها تعلم مدى صعوبة تعبيرهم عن رغباتهم؟
الفضول يغذي كل خلية في جسدها، الفضول وحده هو ما يجعلها قادرة على النهوض في الصباح مترقبةً ما الجديد الذي ستتعلمه أو تعيشه اليوم؟ تؤمن بأن مفاجآت الحياة يقابلها مشاعر مفاجئة تتعلم التعامل معها لأول مرة! فلا تخاف الحزن ولا الخوف ولا الحيرة وما يقابلهم من مشاعر ندّعي بأنها سلبية، بالنسبة إليها هذه المشاعر كغيرها يجب احترامها وتقبلها واحتضانها لتمر بسلام ولا تعاود الكرة مرة تلو الأخرى مُحاوِلةً أن تحصل على تقديرنا، فنهملها في كل مرة…
الحوار المليء بالدهشة والتساؤل والإبحار في غياهب الكون والذات البشرية هو وقتها المفضل مع أيٍّ كان! لا تحب المحادثات القصيرة ولا تعرف كيف تتعامل معها، ولكنها مؤخرًا تحاول أن ترى حلاوة بساطة هذه المحادثات لتتمكن من كسر الجليد بينها وبين الغرباء.
هي أنثى بخفتها وبهدوئها، أنثى في ثقتها الصامتة، أنثى في الرخاء وفي الشدة، فكلّ من يكون بصحبتها يشعر بخفة الحياة وروعتها معها. أنثى لأنها تقدّر الجمال، أنثى لأنها تحب العطاء، أثنى لأنها رحيمة دائمًا وبعيدة عن القسوة. أنثى في تقبلها كل مديح وكل لفتة حنونة وكل عطاء، أنثى في تعبيرها عن الامتنان الذي تشعر به. أنثى في حرصها أن لا يصدر منها إلا كل جميل. أنثى لأنها مُسلّمة أمورها لخالق روحها الرقيقة، متيقنة حق اليقين أن الحياة أكثر سلاسة ولطف عند تسليم أمرها له، لأنها تعلم بأنه سيدبر أمورها بأفضل صورة. أنثى لأنها تملك هذه الرغبة الفطرية المتأصلة بأن تكون أم مثالية…
تنظر للأمور بزاوية مختلفة للغاية، فتجد أنه من الصعب عليها شرح الصورة الظاهرة لها بينما القليل جدًا من يشاركها نفس المنظور. ولكنها مع ذلك متلهفة لمعرفة ما الصور الظاهرة لكل شخص ينظر من زاوية أخرى! مرنة ولديها قدرة عجيبة على التكيف في مختلف الحالات ولكنها وبغرابة متعلّقة جدًا بغرفتها، عالمها الخاص الذي ينضب بالحياة أكثر من أي شيء آخر وكأنه طفلها التي راقبته بعناية يكبُر ويكتسب مع الوقت شخصيته الخاصة.
لا ترضى بأن تقدّم عملًا ما غير متقن، فشعارها هو عدم تقديم أي شيء أو تقديم كل شيء! على الرغم من أن هذا الشعار يتنافى تمامًا مع واقعية الحياة كما يتناقض مع طبيعتها المرنة، ولكنها لا ترضى بالقليل أن يصدر منها، ولذا عادةً ما تتأخر عن إنجاز مهمةٍ ما ولكنها تعلم بأن هذا التأخير لن يكون ضارًا قدر ما سيكون نافعًا في تمييزها عمّن سواها في نظر من طلب المهمة. وبالفعل، عادة هذا ما يحدث! تأخذ وقتها في كل شيء، وبالمقابل هذا الوقت يغذّي ابداعها واتقانها اللّذان يكوّنان ماهيتها.
هذه الفتاة التي لا يمكن حصرها ببضع جمل تكمن بداخلي، أسقطت الضوء عليها من الخارج وقمت بوصفها وكأنها الشخصية الرئيسية في رواية ما، وأنا الآن مغرمة حد الهذيان بها! دانةٌ هي، ولأن لها من اسمها نصيب، ثمينٌ هو جوهرها وكان لابد من أن تعي هي هذا قبل أي أحد.
لا تعليق