أتصوّر أحيانًا الحياة على أنها أُحجية ضخمة للغاية وكل فرد يُشارك في حل جزءٍ منها إلى أن تتضح الصورة الكاملة!

وهذه الأجزاء الموكلة لكل فرد هي أحاجيّ منفصلة بحد ذاتها، وتتلخص طريقة حل كل أحجية بناءً على حياة الفرد المسؤول عنها. فلا أستطيع أن أشارك حل أُحجيتي مع شخصٍ آخر غيري، لأنه يمتلك أحجية مختلفة تمامًا عني!

لذلك كل فرد يسلك مسارًا مختلفًا في الحياة بأفكار وإعتقادات وقناعات مختلفة، لأن مساره المميز هو المسار الوحيد الذي سيجد فيه قطع أحجيته المفقودة. بينما مساري أنا في الحياة يخبّئ قطع أحجيتي الخاصة، لذا ربما يجب علينا التوقف عن الصراخ لهم آملين أن طريقنا هو الطريق الصحيح لهم أيضًا! لكلٍّ مساره الخاص ولكلٍّ أُحجيته الخاصة.

ولكن كما أردفت مسبقًا، كل أحجية فرد تكتمل، تشكّل جزء بسيط من أحجية أكبر وأعظم وهي أحجية الحياة التي يشارك في تركيب قطعها جميع من عاشَ بها. لذلك في بعض الأحيان نجد أن طرقنا تتقاطع مع بعضنا البعض، العلاقات بشتّى أنواعها والمواقف والدروس والعِبر التي نتعلّمها من بعضنا البعض ماهي إلا عبارة عن تركيب أحجيتي بأحجيتك، وأحجية فلان بأحجيتنا وهكذا دواليك…

لذا من المستحيل أن يعيش كل فرد وهدفه الأسمى هو تركيب أحجيته المُوكل بها فقط! بل يجب عليه أن يبحث عمّن يملك الأحاجيّ التي تحيط أُحجيته، وبهذا يكونوا جوابٌ له ويكون هو جوابًا لهم.

وكل فرد يفنى عمره يعني أنه أكمل أحجيته، وإذًا يختلف مدى صعوبة الأُحجية لكل فرد وبذلك تختلف أوقات حلّها وبالتالي تختلف أعمار الأفراد.

عندما أرى الحياة بهذه الصورة الخيالية، أجد أنني نوعًا ما بدأت أفهم الكثير، فبهذه الصورة نفهم أننا جميعنا بهذه الحياة لهدف واحد وهو إكمال الأحجية الأم (عبادة ربنا والإعمار بالأرض وخلافتها).

ولكن كل فرد مُوكل بأُحجية مُصغرة من الأحجية الاُم ومُهمته هي البحث عن قطعها وتركيبها (كلّ شخص لديه مهاراته وقدراته وشخصيته المميزة).

 وبعد إكمال أحجيته يجب التعاون مع أصحاب الأحاجيّ الأخرى لتركيب أحجيته مع أحجيتهم (ترك أثر محمود بالأشخاص وبالعالم).

بعدها يفنى هذا الشخص ويأتي يوم نفنى فيه جميعًا فنصعد عاليًا في السماء لنتأمل معًا الأحجية الأُم العظيمة من الأعلى فيُسأل كل فردٍ عن أُحجيته الخاصة (يوم الحساب).

لذا، ليهتم كلٌّ منا بأحجيته الخاصة وبما علينا فعله لحلّها، ولنعلم أن ليس هناك طريقًا واحدًا للنجاح بحل الأحجية، وليس هناك أحجية أفضل من غيرها.

لذا عندما لا يؤمن الفرد بمدى أهمية أحجيته يفنى وأحجيته لم تكتمل بعد، فيصعد عاليًا ويرى جزءه الموكل له فارغًا، فيعلم حينها أن وجود أحجيته كان مهم، مهم للغاية لأنها جزء من الأحجية الأم في نهاية الأمر.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *