إذا خانتك ذاتك الحقيقية عن إتباع هدفٍ ما أو ممارسة عادات يومية معينة، احتضن ذاتًا بديلة!

واعية تمامًا بأن الفكرة غريبة ومن الممكن أن تجدوا أنها بحدّ ذاتها مهرب سهل من ذاتك الحقيقية لكن، أفسحوا المجال لتقليب الفكرة مرة ومرتان برأسكم وامنحوني فرصة لإقناعكم بها. الطريق الأوحد لتطوير الذات برأينا يتم عن طريق تغيير الأفكار، أو تغيير العادات، أو تغيير طريقة الحياة، أو باختصار كلّ ما ورد. هممم، هل حقًّا هذه الطريقة الوحيدة؟

نعلم جميعًا مدى صعوبة تبنّي عادة جديدة، نحتاج لأيام عديدة وحتمًا استمرارية وإرادة صلبة للتمسك بعادة معينة، إذا مثلًا أردت أن تجعل الرياضة عادة صباحية لك، من المنطقي إذًا أن تكافح كل صباح لدفع جسدك للتمارين الرياضية واختيار وقت معين لممارستها، ثم يتطلب مدة زمنية طويلة إلى أن تشعر بأنك كفؤ كفاية بأن تُعرّف نفسك كشخص رياضي. ماذا إن اقترحت لك أن تتبنى ذات شخصٍ رياضي من البداية، بحيث تُعرّف عن نفسك وتتصرف كرياضي قبل أن تبدأ حتى؟ بدلًا من تغيير الخارج، نقوم بتغيير هويّة من في الداخل أولًا!

الكثير من الأشخاص يقوموا ببناء عادات جديدة، ويتحلّوا بأفكار ونمط حياة أفضل من النمط الذي كانوا يتبّعونه من قبل، لكن لا شيء من هذا يستمر. السبب هو، أنهم ما زالوا يمتلكوا نفس الهوية التي يعرّفوا بها ذواتهم، لذا بالنهاية يعودوا لنمط الحياة السابقة التي تتناسب مع هويتهم القديمة، لأن العادات والأفكار ونمط الحياة الجديدة لا تتناسب مع هويتهم التي ما زالوا يحملونها.

 فمثلًا لنفترض أنك تريد الإقلاع عن التدخين، دعني أطرح عليك السيناريو المعتاد. كنت مع شخصٍ ما وكان يُدخّن وهو يعلم مسبقًا أنك “مُدخّن” فيعرض عليك أن تشاركه، ترد عليه قائلًا: أنا أحاول الاقلاع عن التدخين.

 الآن، السيناريو المرتبط بفكرة المقالة “تبنّي الذات البديلة أو Alter Ego هو، نفس الموقف يحصل ولكن بدلًا أن ترد عليه قائلًا: أنا أحاول الاقلاع عن التدخين، تقول بالمقابل: أقلعت عن التدخين.

هل اتضحت الفكرة الآن؟ أنت عرّفت نفسك بأنك شخص أقلع عن التدخين بالفعل، لذا أنت وهو الآن تكوّنت لديكم صورة مُحدّثة عن هويتك الجديدة! لم تحاول أن تطوّر من عاداتك بل طوّرت صورتك الذاتية أولًا. بالتالي تبعًا لهذا، ستتغير تصرفاتك وطريقة ظهورك للعالم لأنك الآن تحاول أن تتحمل مسؤولية هويتك الجديدة.

إذا كانت نظرتك عن ذاتك نظرة سلبية بحيث أنك تستنقص من قدراتك بمهارة معينة، أو من جمالك، أو أنك باستمرار تخبر ذاتك والأخرين بأنك غير صحي وأنك غير مهتم بهذه الأمور، إلخ… ستجد أنك بالفعل تعيش هذا الواقع يوميًا، بالتالي، من الصعب جدًا اتباع عادات تنفعك.

قصة آشلي

لتتضح الفكرة أكثر، سأستعرض قصة قصيرة واقعية. آشلي فتاة شغوفة جدًا بالموسيقى والغناء وليست شغوفة فقط بل بارعة فعلًا، حلمها أنها في يوم من الأيام ستصبح فنانة مشهورة. لكنها شكّكت بذاتها وقدراتها وشعرت أنها لا تستحق أن تكون مشهورة ومعروفة، وكانت خلفيتها الفقيرة والمليئة بالمشاكل تغذّي هذا الشكّ المتغلغل بداخلها -باختصار كانت تقول: مين أنا عشان أصير معروفة؟-. لذا قررت أن تغير أسمها المسرحي، ليس لأنها تريد أن تخلُق اسمًا يعلق بمسامع الناس “Catchy” ، ولكن لتُعيد خلق هويتها من جديد، لتتبنّى ذات بديلة. تُعرف هذه الفنانة اليوم باسم (Halsey)، عندما سُئِلت لماذا قامت بتغيير اسمها كان جوابها:

“I had to become somebody completely different. At the time, I felt that Ashley didn’t deserve to be famous and successful because she wasn’t that special, but if I made Halsey. Maybe she could be.”

“توجّب علي أن أكون شخصًا مختلفًا، في ذلك الوقت شعرت بأن آشلي لا تستحق الشهرة والنجاح لأنها لم تكن مميزة، ولكن إذا خلقت هالزي من الممكن أنها تستطيع.”

كما نرى التغيير لم يكن فقط في اسم الشهرة ولكن كان تغييرًا عميقًا في هويتها! الكثير والكثير من الفنانين والرياضيين وغيرهم قاموا بتطبيق هذه الحيلة للنجاح. فمثلًا، لاعب كرة السلة الأفضل برأيي أداءً وشخصيةً هو (Kobe Bryant) كان معروفًا بلقب “Black Mamba” في كل مرة يكون فيها في الملعب! ومعنى الاسم هو نوع من أنواع الثعابين.

فما هي “الذات البديلة (Alter Ego)” وما فعالية تطبيقها؟

الذات البديلة: هي الأنا الأخرى، هي شخصية مختلفة تمامًا عن الشخصية المتأصلة بك والصعب تطويرها، عندما أتبنّى ذات بديلة، أنا أفصل نفسي الحالية عن الهوية التي تسبقها وأضع مسافة تحول بيني وبين العقبات التي أمامي.

بالنسبة لمدى فعاليتها دعوني أذكر لكم دراسة تم اجرائها على الأطفال تُسمى بتأثير باتمان.

تأثير باتمان (Batman Effect)

مجموعة من الأطفال بعمر 8 و 4 سنوات تم تقسيمهم لثلاثة مجموعات، وفي كل المجموعات قاموا الباحثين بتوزيع صندوق زجاجي مقفل وتم تسليم سلسلة مليئة بالمفاتيح لهم، قائلين بأن إحدى هذه المفاتيح ستفتح الصندوق، ولكن بالحقيقة جميع المفاتيح لا فائدة منها. هدف الدراسة هو، إلى متى سيحاول الأطفال بلا استسلام فتح الصندوق والحصول على اللعبة؟

في كل مجموعة تم تطبيق استراتيجية مختلفة لتحفيزها للاستمرار بالمحاولة. الاستراتيجية الأولى كانت، تحويل الأطفال إلى باتمان من خلال إلباسهم رداؤه، الاستراتيجية الثانية هي تشجيع الأطفال بأن يقوموا بتخيّل أنهم شخصية أخرى يحبونها، والاستراتيجية الأخيرة كانت أن يحاولوا الأطفال كما هم.

المجموعة التي تم تطبيق الاستراتيجية الأولى عليهم كانت المجموعة الأكثر عنادًا لفتح الصندوق والاستمرار بالمحاولة بلا كلل، يليها الاستراتيجية الثانية وبعدها الثالثة. باتمان يفوز!

والذات البديلة ليست مرتبطة بالأطفال فقط ولكن للناضجين أيضًا. والسبب هو أننا عندما نتبنى ذات أخرى لتساعدنا لتحقيق أهدافنا نكون واعيين أكثر بطريقة ظهورنا في العالم وتصرفاتنا، نكون في حالة وعي لمواجهة العالم بأفضل حُلّة.

أخيرًا،

أعتقد أن تبنّي الذات البديلة طريقة مبدعة وأكثر متعة للتغيير، فمثلًا أنا شخصيًا يمكنني التصوّر الآن بأنني كاتبة مشهورة جدًا ولدي بالفعل العديد من المؤلفات وتجوب كتاباتي أنحاء العالم وتُترجم لعدة لغات. عندها لن أستخفّ بالوقت الذي أسخره للكتابة والتدرّب عليها، سأرى بأنه واجب علي بأن أكتب أكثر من المعتاد لأن هناك الملايين ينتظرون قراءة مؤلفاتي!

على العكس عندما أفكر بي الآن وأنه ما زلت في بداية الطريق، سأتكاسل وأحدّث نفسي بعبارات مثل -ما يضر لو كتبتي الآن أو بوقت آخر، الكتابة مو أهم شي لك حاليًا و محد يتوقع منك الكثير- رغم أنها هويتي رغم أن الكتابة هي كلّ ما أملك! عرفتوا الفرق الآن؟

لذا، تبنّى ذات أخرى عندما يصعب عليك فعل شيء، تخيّل ما سترتديه تلك الذات، أو كيف ستستثمر وقتها؟ ما التصرفات التي لا تفعلها عادةً بسبب خجلك أو عدم ثقتك بنفسك لكن ستفعلها تلك الذات؟ ماذا تأكل أو كيف تتمرن؟ كيف تعيش حياة مليئة بالإحسان والإتقان؟ اجلس مع نفسك وضع قائمة بكل الصفات التي تمتلكها ذاتك البديلة وعرّف نفسك بها فورًا وكأنك تملك هذه الصفات منذ زمن طويل.

من الممكن أن يرى البعض أنها خيانة لشخصك وتصنّع، ولكن على العكس تمامًا! فمثلًا، إذا كنت شخص يستنقص من ذاته كثيرًا ويشكك بمهاراته وغير واثق تمامًا ولا ترى بأنك تستحق شيء، عندما تتبنى ذات بديلة لديها استحقاق عالي واثقة الخُطى وتطوّر دومًا من مهاراتها لتعزز ثقتها بقدراتها أيضًا، هل هذا تصنّع أم هذا ما توجّب عليك أن تكونه من الأساس ولكنك خائف؟

الذات البديلة هي النسخة الأفضل من نفسك وجميعنا نسعى للأفضل. ولا ننسى أن القرآن الكريم ذكر النفس الأمارة بالسوء والهوى وكيف يجب علينا تزكية النفس وترويضها، سؤالي هو: هل يا ترى الشخصية التي تزكّي النفس وتروضها ولا تتبع الهوى هي نفسها الذات البديلة؟ التأمل لكم.

1 تعليق

  • كعادتك مبدعه في المقالة إجابات شافية كافية لكل تساؤلاتي شكرا لوجودك و لقلمك ❤️
    في كل متاهة حأرجع هنا ممتنة جدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *