هذه المقالة ستكون أشبه بتدويناتي الشخصية التي أخطّها بصفحات مذكّرتي غير مبالية بتسلسل أفكاري ولا بشفافية مشاعري، لأنني أشعر بأنه يتوجب علي إيصال مشاعري وأفكاري تجاه هذا الموضوع لأنه ليس بسيطًا أبدًا بنظري، وتأثيره بالتالي أكبر ممّ نتصور! لنتحدث عن انتقاء الاشخاص.

أشعر بأن هناك الكثير ممن لا يفهم حساسيتي في انتقاء الأشخاص من حولي، ولكنني حساسّة لأبعد درجة في انتقاء دائرتي المقربة، لأنني لا أحب أن أرتدي رداءً لا يناسبني، لا أحب أن أتلوّن بلون جديد كل يوم ليناسب شخصًا ما، لا أحب أن أقول ما لا أعنيه وأشعره حقًا، ولا أحب أن أوافق على أراء لا تمثلني من أجل التماهي. لذلك أنا حريصة أن تكون دائرتي مليئة بالأخذ والعطاء والتطور، أريد أشخاصًا يكونوا مصدر إلهام لي، مُراعين كما أنا، حسّاسين كما أنا، طموحين كما أنا، مليئين بالشغف وحب التعلم كما أنا.

لذلك أختار بعناية من بداخل دائرتي ومن خارجها، وأهم ما ألاحظه بالشخص لأفتح قلبي له وأبوح عن الأمواج المُهتاجة بداخلي هو مدى تقديره لمشاعري ومدى أهمية ذلك بالنسبة إليه، مشاعري مهمة، مهمة للغاية! مهمة كالأكسجين الذي أستهلكه. ان تم الاستهزاء بها، هذا يحدد “حرفيًا” بقاء هذا الشخص داخل حياتي أو خارجها، فقط عن طريق رؤية كيفية تعامله مع مشاعري. لذا أرجوكم، ان تحدّث معكم شخصًا بالكاد يتحدّث عمّ يشعر به وعن شخصه، أنصتوا. فهو لم يتحدث إلا بعد التفكير مرارًا وتكرارًا عمّ اذا كان من الآمن التحدث بأريحية أم لا. أنصتوا ولا تصدروا أحكامًا ولا نصائح إلا ان طُلب منكم، عند التحدث عن المشاعر لا يهم شيء سوى أن تستمع بكل خلية بجسدك.

إحدى المعايير هي التقدير، بنظري التقدير أساس من أساسيات دوام الألفة والمحبة وبلا تقدير ينقطع هذا الودّ. عندما تتلقى مديحًا مثلًا، اقبل هذا المديح، كن شاكرًا وعبّر عن مشاعرك تجاه هذه اللفتة اللطيفة! فالقليل من يشارك كلمة حسنة، فقدّر شخصه. عند تلقيك هدية أو مساعدة أو عناقًا دافئًا كنت في أمس الحاجة إليه، عبّر عن مشاعرك! فالتقدير ما هو إلا تعبير عن مدى الفرق والتغيير الذي شعرت به عندما قام الطرف الآخر بهذه اللفتة الدافئة والحنونة. فعندما يبتاع شخصًا ما هدية لك، قدّر المال والوقت وتفكيره بك عندما ابتاع الهدية، كل هذا كان هدية أيضًا! من أحب الأحاديث لقلبي التي تلخص هذه الفقرة هو قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”.

من ضمن الأمور المهمة بنظري هو القلب المليء بالرحمة تجاه كل مخلوق حي، وحريص كل الحرص على كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال. يتبع نهج قل خيرًا أو أصمت. الرحمة بالنسبة لي هي إحدى الطرق التي تتصل فيها مع الرحمن الرحيم، لذا تَحقُق الرحمة بالشخص بكل ظروفه يعني لي الكثير جدًا، يعني لي أن قلبه ما زال ينبض ولم تغلفه أعباء الحياة بالقسوة، وهذا يتطلب الكثير من الجهد، أن تكون رحيمًا رغم قسوة الأيام. أن تكون رحيمًا مع نفسك أولًا لترحم الغير! ألاحظ أن من يفتقر صفة الرحمة، قاسي جدًا مع نفسه يغرقها بالانتقاد وبإحساسه بالنقص والتقصير، فينعكس هذا في تعامله مع الغير بذات القسوة.

إحدى الأمور التي أقيّم فيها نضج الشخص هي الاتزان في المشاعر، أن لا يكون رهين ردود أفعاله، أن يكتم غضبه، أن يضبط كلماته القاسية، أن لا يصدر الأحكام السريعة، لا حسد، لا غيرة، لا حقد، ولا كره، أن يُنصت بهدوء قبل كل شيء. ومن الممكن أن تقرأ لهذه الكلمة لتتوقف قائلًا: لا أحد بهذه المثالية! ولكن صدقني هذا أدنى بكثير من المثالية، هذه باختصار الحالة المتزنة للشخص “الطبيعي” الواعي بمشاعره ومدى تأثيرها عليه وعلى أقواله وأفعاله وقراراته!

 يُسعفني كثيرًا وأحمد الله مئات المرات أنني بطبيعتي شخص هادئ، وحتى انفعالاتي هادئة كنسمة هواء مسالمة، شخص لا يملك الكثير لقوله ولكن الكثير لكتابته، والكتابة أفضل بملايين المرات لأنها تعطيك الوقت الكافي لدراسة مدى تأثير كلماتك على نفسك وعلى محيطك. ولكن رغم هذا، أجدني في مواقف عديدة رهينة مشاعري وهيجانها فتتحول نسمة الهواء هاته لعاصفة مخيفة! لذا الأمر ليس فطري، يتطلب الكثير من فهم الذات ولذلك أوصي مرة أخرى بالكتابة. الكتابة تجعلني ألاحظ نمط متكرر من المواقف التي تؤثر سلبًا أو ايجابًا على مشاعري، لذا أكون مستعدة وواعية عند مجابهة مواقف أعلم مسبقًا بأنها ستجعلني أثور فأستطيع نقل تركيزي عندها على ضبط مشاعري. وغالبًا تحوّل نسمة الهواء إلى عاصفة هو نتاج إهمالي لمتابعة مشاعري بشكل دوري إلى أن تتراكم فأعجز عن تفسيرها. لذا يا رفاق، الاتزان والذكاء العاطفي سِمات مهمة جدًا.

القدرة على التواصل الصحي من إحدى الأمور التي تحدد مصير علاقتي مع الأشخاص من حولي أيضًا، عندما يترك الطرف الآخر مساحة آمنة لي للتعبير عن أفكاري ومشاعري بدون انتقاد أو توجيه لأصابع الاتهام، فيسمع ما أقول بنية التوصل إلى حل وبنية فهم شخصيتي للتعزيز من صحة علاقتنا. هذه السمة إذا توافرت بالطرف الآخر أشعر بأمانٍ تام، ونادرًا ما أشعر بالأمان التام لأكون صريحة. ولكن هناك شخصان هما مصدر أمان حقيقي لي، والأجمل هو أن هذا الأمان بنيناه معًا، تطلّب مننا جهد ووقت للوصول لنقطة الأمان لكلا الطرفين. القدرة على التواصل الصحي تعني أن نرى المشكلة ضدنا لا أن نرى بعضنا البعض ضد بعض.

الشغف في التعلم والتطور هو ما يغذي علاقاتي ويلوّنها ويعطيها الحياة لتشع مع كل حوار ومع كل فكرة، مع كل سؤال وكل قصة، العديد من الأشخاص تركتهم بكل حب وامتنان في طريقي في الحياة ببساطة لأن هناك طرفًا يتطور والآخر ما زال عالقًا في مكانه، فلم يعد هناك الكثير للتحدث بشأنه، لأن شخصًا ما ترك قراءة الرواية بدايةً من الصفحة الأولى والآخر يقرأ آخر صفحاتها. فالتطور في الوتيرة نفسها مهم جدًا، وشغف التعلم ببساطة هو ما يعطي النقاش بريقه، ما أحب التحدث عنه أنا ومن معي من الضروري أن يمتّع عقلنا ويدهشنا، أن يجّدد رغبتنا في استكشاف الحياة معًا، أن يجعلنا نأمل معًا ونحلم معًا، أن نشكّك معًا ونؤمن معًا، أن نسأل معًا ونُجيب معًا، أن نتحدى بعضنا البعض أن نرى الحياة محط اهتمامٍ مُثير دائمًا!

أشعر بأنه مازال هناك الكثير لقوله، فدائرتي الصغيرة التي اخترتها بعناية تملأ قلبي امتنانًا! أشخاصًا عددهم يسير ولكنني أعتمد عليهم وأجدهم سلوى ومأوى ونجوى لي ولعالمي الداخلي الذي يصعب علي عيشه وحدي. رسالتي في نهاية هذه التدوينة هي، كونوا مراعين واختاروا من يراعيكم، المُراعاة من ألطف وأرق الصفات التي نفتقرها هذه الأيام، اختاروا دائرة صغيرة تحتضنكم وأشخاصكم المفضلين بأمان.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *